الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008

خـــــروج الدّابة..

- 1 -
الإمام ناصر محمد اليماني
24 - 12 - 1429 هـ
23 - 12 - 2008 مـ
10:57 مساءً
  
 خـــــروج الدّابــة ..
بسم الله الرحمن الرحيم، 
والصلاة والسلام على محمد رسول الله وآله الطيبين والتّابعين للحقّ إلى يوم الدين وبعد..
أختى السائلة عن الدّابة، وإليك الجواب المختصر:
إنّ خروج الدّابة من الأرض هو إنسانٌ يمشي فيُكلّم النّاس، والنّاسُ دواب. وقال الله تعالى:
 {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّـهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَـٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى} 
 صدق الله العظيم [فاطر:45].
إذاً المقصود بالدّابة هو إنسانٌ يُكلم النّاس شاهداً بالحقّ؛ وهو المسيح عيسى ابن مريم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - يُخرجه الله من الأرض لأنّه الرقيم المُضاف إلى أصحاب الكهف فيُكلّم النّاس كهلاً بالحقّ كما كلّمهم طفلاً يوم ولادته، ويقول: {إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ} [مريم:30]، 
فيجعله الله حَكَماً بين المسلمين والنّصارى الذين قالوا: "إنّ الله هو المسيح عيسى ابن مريم"، وطائفةٌ أخرى قالوا: "وَلَدُ الله"! ولكن المسلمين يعتقدون بالحقّ أنه عبد الله، ثمّ يأتي حكماً بالحقّ في اختلاف المسلمين والنّصارى فيقول لهم كما قال لهم من قبل وهو في المهد صبياً: {إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ}، وذلك لأنّ المسيح الكذاب سوف يأتي ويقول إنه المسيح عيسى ابن مريم ويقول إنه الله، ولذلك تمّ تأخير المسيح الحقّ ليجعله الله شاهداً بالحقّ وجعله الله للإمام المهديّ وزيراً، ويكون من الصالحين ولا يدعو النّاس إلى اتّباعه بل إلى اتّباع الإمام المهديّ، ويكون من الصالحين التّابعين. تصديقاً لقول الله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴿٤٦﴾} صدق الله العظيم [آل‌عمران].
ومعنى قول الله تعالى: {وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ}، أي حين يُكلّمهم كهلاً فهو يكون من الصالحين التّابعين ولا يدعو النّاس لاتّباعه كونه نبيّ؛ ولكنّه لا ينبغي أن يأتي نبيٌّ من بعد محمدٍ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - فيدعو النّاس لاتّباعه. تصديقاً لقول الله تعالى:  
{مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا ﴿٤٠﴾} 
 صدق الله العظيم [الأحزاب].
ولذلك حين تأتي دعوة ابن مريم الأخرى سوف يكون من الصالحين التّابعين للإمام المهديّ يوم يأتي المسيح عيسى ابن مريم يُكلّم النّاس وهو كهلاً، ولكن ليست هي المعجزة أن يتكلم رجلٌ وهو كهلٌ! بل المعجزة في نزول نفسِ ابن مريم من عند بارئها فينهض جسد المسيح المُضاف إلى أصحاب الكهف الثلاثة، وتوجد هنا معجزة من ربّ العالمين لينطق ابن مريم بالحقّ بإذن الله، 
فأمّا الأولى فهي:{وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ} [آل عمران:46]؛ ومضت وانقضت يوم ميلاد المسيح عيسى ابن مريم - صلّى الله عليه وآله وسلّم - ونطق بإذن الله وقال:
 {إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ}، ولم يقُل أنّه الله ولا ولد الله.
وأما المُعجزة الأخرى في تكليم ابن مريم للناس في قول الله تعالى: 
{وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ} [آل عمران:46]، 
وتلك معجزة الإحياء لجسد الإنسان المسيح عيسى ابن مريم وعودة نفس المسيح إلى الجسد ليُكلّم النّاس كهلاً، والكهل هو سنٌّ متوسطٌ بين سنِّ الشباب والمَشيب ذو اللحية المخلوطة بالشعر الأبيض والأسود ويُطلق على من كان بهذا السن كهلاً، وتلك هي الدّابة تخرج من الأرض، وهو الإنسان المسيح عيسى ابن مريم ليُكلّم النّاس كهلاً فينطق بنفس القول من قبل: {إِنِّي عَبْدُ اللَّـهِ}؛ أي أنه ليس الله ولا ولد الله، سبحانه! كما يعتقد النّصارى بالباطل. ويريد المسيح الكذّاب أن يستغل عقيدة الكفار من النّصارى فيقول أنه الله. وقال الله تعالى:
 {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّـهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۖ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّـهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّـهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ ۖ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ﴿٧٢﴾} 
صدق الله العظيم [المائدة].
وبما أن المسيح الدجال سوف يأتي مؤيّداً لعقيدة الباطل لدى كُفار النّصارى فيدعي الربوبيّة ويقول إنّه المسيح عيسى ابن مريم وإنّه الله ربّ العالمين ولذلك يُسمّى المسيح الكذاب بمعنى إنّه ليس المسيح عيسى ابن مريم الحقّ، ولذلك تتبين لكم الحكمة من رجوع المسيح عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهو الوزير الأول ونائب خليفة الله الإمام المهديّ ورئيس مجلس الوزراء.
ومن وزراء المهديّ كذلك رسول الله إلياس - صلّى الله عليه وآله وسلّم - الذي ابتعثه الله إلى أصحاب الرسّ، وهي قرية حمّة ذياب بن غانم كما يُسمّيها المؤرخون. وكذّبوه هو ووزيره نبيّ الله الصديق إدريس صلّى الله عليه وآله وسلّم، ثمّ صدّقه أخوه إدريس؛ شاباً فتياً، ثمّ جعله الله مع أخيه إلياس وزيراً، ثمّ صدّقه أخوه اليسع؛ شاباً فتياً، فعزز الله بهما نبيّاً ثالثاً وهو نبيّ الله الصدّيق اليسع، فكذبوهم أجمعين ولم يؤمن لهم غيرُ رجلٍ واحدٍ فقط وكان يكتم إيمانه ومثله كمثل مؤمن آل فرعون. وتوعدهم قومهم إن لم ينتهوا عن الدعوة إلى الله وعبادة الله وحده بأنهم سوف يرجمونهم وليمسنّهم من قومهم عذابٌ أليمٌ، ومن ثمّ خشي رسول الله إلياس على أخويه من الفتنة وأمرهم أن يأويا إلى الكهف وهو معهم فيختبئون فيه كما اختبأ محمدٌ رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وصاحبه أبو بكر من الكفار، وكذلك الرسول إلياس وأَخَوَاهُ النبيَّان الصدِّيقان الفَتِيَّان اختفوا في الكهف من مكر الكفار حتى ينظر الله في أمرهم، ولكن الرجل الذي صدّقهم وكان يكتم إيمانه علم بأنّ أنبياء الله الثلاثة قد اختفوا بعد تهديد الكفار برجمهم أو العودة في ملّتهم ومن ثمّ غضب هذا الرجل الصالح من قومه وجاء إلى كبار قومه وأعلن إيمانه. وقال الله تعالى:
{وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ﴿١٣﴾ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ ﴿١٤﴾ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ﴿١٥﴾ قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ ﴿١٦﴾ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ﴿١٧﴾ قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨﴾ قَالُوا طَائِرُكُم مَّعَكُمْ ۚ أَئِن ذُكِّرْتُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ﴿١٩﴾ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ﴿٢٠﴾ اتَّبِعُوا مَن لَّا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴿٢١﴾ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢٢﴾ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ لَّا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِ ﴿٢٣﴾ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴿٢٤﴾ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴿٢٥﴾ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ۖ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴿٢٦﴾ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴿٢٧﴾ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ ﴿٢٨﴾ إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} 
صدق الله العظيم [يس].
ولذلك قال رسول الله إلياس لأخويه إدريس واليسع:
 {إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا ﴿٢٠﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
وذلك لأنّ قومهم توعدوهم بذلك إن لم ينتهوا عن دعوتهم إلى الله وترك عبادة آلهتهم، وقالوا:
 {قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ ۖ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿١٨﴾} 
 صدق الله العظيم [يس]،
 وذلك لأنّ الأنبياء الثلاثة رسول الله ووزراءه الفتية إدريس واليسع كانوا يدعون قومهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأوثان وقالوا: قال الله تعالى: 
{هَـٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّـهِ كَذِبًا ﴿١٥﴾}
  صدق الله العظيم [الكهف].
والآن تبيّن لكم لماذا جعل الله قصة أصحاب القرية ورسلها الثلاثة مُبهمةً ولم يذكر أصحاب هذه القرية ولا اسم قومها وكذلك لم يذكر أسماء رُسلها الثلاثة، وذلك لأنّ القصة تتعلق بأصحاب الكهف فإذا جاء الإمام المهديّ الذي يؤتيه الله علم الكتاب فيفصّله تفصيلاً فيجعل أسرار القرآن مفهومةً لدى المسلمين المؤمنين الموقنين بآيات الله في القرآن العظيم؛ أولئك من وزرائي المُكرمين وهم رسول الله إلياس والصديق النّبي أخوه إدريس الذي رفعه الله مكاناً علياً، وهي إشارةٌ إلى أنّ موقع أصحاب الكهف في أعلى مكانٍ في الجزيرة العربية، وأعلى مكانٍ هو هضبة اليمن، وأعلى مكانٍ في الهضبة هي محافظة ذمار، وأعلى مكان هي قرية الأقمر التي توجد بعرض جبل إسبيل. وأما الكهف فهو موجود عند البيوت التي بجانب الجبل على مقربة من بيت رجل يُدعى (محمد سعد) ولكنه يصدّ عن هذا الكهف صدوداً ويظنّ أنّ بداخله كنزاً له، وأخوه أعقل منه وأهدى سبيلاً.
وكما قلنا أنه يوجد في هذا الكهف أربعة من وزراء الإمام المهديّ وهم رسول الله إلياس - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وكذلك أخوه الذي صدّق به؛ نبيّ الله إدريس، وكذلك النّبي الثالث الذي صدّق بأمرهم وهو أخوهم نبيّ الله الصدّيق اليسع، وكذلك الرقيم المضاف إليهم بتابوت السكينة حين أراد بنو إسرائيل قتل رسول الله المسيح عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وسلّم.
أولئك هم من أكرم من في مجلس وزراء الإمام المهديّ، وإن أكرم وزراء الإمام المهديّ هو رسول الله المسيح عيسى ابن مريم صلّى الله عليه وآله وسلّم.وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.