الأحد، 29 أغسطس 2010

هل يوجد دليل من القرآن على شفاعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام؟

الإمام ناصر محمد اليماني
19 - 09 - 1431 هـ
29 - 08 - 2010 مـ
08:51 صباحاً
سأل سائل فقال:
 هل يوجد دليل من القرآن على شفاعة النبي محمد عليه الصلاة والسلام؟
 وأجاب الذي عنده عِلم الكتاب فقال:
بسم الله الرحمن الرحيم،
والصلاة والسلام على جدي محمد رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- وآله الأطهار والسابقين الأنصار في الأولين وفي الآخرين وجميع المُسلمين إلى يوم الدين..
أيا أمّة الإسلام يا حُجاج بيت الله الحرام، اِتقوا الله فإني أنذركم ما أُنذر به الذين من قبلكم فذروا عقيدة الشفاعة من العبيد للعبيد بين يدي الربّ المعبود إني لكم نذيرٌ مبينٌ بالبيان الحقّ للقرآن العظيم، وأجد الذين يعتقدون بشفاعة أولياء الله لهم بين يدي الله قد أشركوا بالله وكذبوا على أنفسهم وضلّ عنهم ما كانوا يفترون،
وإليكم السؤال والجواب مُباشرة من محكم الكتاب:
سـ 1ـ فهل يعلمُ الله بأحدٍ من عبيده يتجرأ أن يشفع لعبيده بين يدي ربّهم يوم القيامة؟
جـ 1ـ قال الله تعالى:
{وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}
صدق الله العظيم [يونس:18].
سـ 2ـ وهل أمر الله رُسله إلى الناس أن ينهوهم عن الاعتقاد بشفاعة أولياء الله بين يدي ربّهم؟
جـ 2ـ قال الله تعالى: 
{وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى ربّهم لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}
صدق الله العظيم [الأنعام:51].
سـ 3ـ وهل للكافرين شُفعاء بين يدي ربّهم كما يعتقدون في الدُنيا والآخرة؟
جـ 3ـ قال الله تعالى: 
{وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}
صدق الله العظيم [غافر:18].
سـ 4ـ وهل للمؤمنين شُفعاء بين يدي الله كما يعتقدون؟
جـ 4ـ قال الله تعالى:
 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ}
صدق الله العظيم [البقرة:254].
سـ 5ـ إذاً لن يجرؤ أحدٌ أن يتقدم بين يدي ربّه يُحاجه من أن يعذب عباده الذين ظلموا أنفسهم فيشفع للظالمين بين يدي ربّهم؟
جـ 5ـ قال الله تعالى: {فَمَن يُجَادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} 
 صدق الله العظيم [النساء:109].
سـ 6ـ فإذا كان الأب من أولياء الله وابنه من الذين ظلموا أنفسهم فهل يغني عنه من عذاب الله شيئاً فيشفع لولده بين يدي ربّه؟
جـ 6ـ قال الله تعالى:
 {وَاخْشَوْاْ يَوْماً لاّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً إِنّ وَعْدَ اللّهِ حقّ فَلاَ تَغُرّنّكُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَلاَ يَغُرّنّكُم بِاللّهِ الْغَرُورُ}
  صدق الله العظيم [لقمان:33].
سـ 7ـ وهل إذا كان الزوج من أولياء الله وزوجته من الذين ظلموا أنفسهم فهل يغني عن زوجته شيئاً
 فيشفع لها بين يدي ربّها حتى ولو كان نبيّاً ورسولاً؟
جـ7ـ قال الله تعالى:
 {ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّـهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ﴿١٠﴾} صدق الله العظيم [التحريم].
سـ 8ـ فهل هذا يعني نفي الشفاعة مُطلقاً للعبيد بين يدي الربّ المعبود لكافة عبيده؟
جـ 8ـ قال الله تعالى:
 {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ}
صدق الله العظيم [البقرة:123].
سـ 9ـ إذاً لن ينفع الأرحام أرحامهم بين يدي ربّهم فلا يأذن الله لأحد منهم أن يشفع لأهله بين يدي ربّه،
 فزدنا فتوى في ذلك من محكم الكتاب ذكرى لأولي الألباب.
جـ 9ـ قال الله تعالى:
 {لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}
صدق الله العظيم [الممتحنة].
سـ 10ـ إذاً الشفاعة هي من الله إليه فلم تتجاوز ذاته سُبحانه إلى أحدٍ من عباده فزدنا فتوى التأكيد 
من محكم الكتاب ذكرى لأولي الألباب.
جـ 10ـ قال الله تعالى:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}
صدق الله العظيم [الزمر:44].
سـ 11ـ فهل يوجد في سنة البيان في الأحاديث النبوية الحقّ ما يزيد ذلك بياناً وتوضيحاً للأمة عن محمدٍ رسول الله -
صلّى الله عليه وآله وسلّم- الذي كان يبيّن للناس الكتاب بالحقّ؟
جـ11ـ قال محمدٌ رسول الله -صلّى الله عليه وآله وسلّم- في صحيح مسلم عن عائشة قالت:
لما نزلت {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}، قام رسول الله (ص) على الصفا فقال:
 [يا فاطمة بنت محمد! يا صفية بنت عبد المطلب! يا بني عبد المطلب! لا أملك لكم من الله شيئاً، سلوني من مالي ما شئتم].
في صحيح مسلم وسنن النسائي ومسند أحمد واللفظ للأول عن أبي هريرة قال:
 لما نزلت هذه الآية {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} دعا رسول الله (ص) قريشاً فاجتمعوا فعم وخص فقال: [يا بني كعب بن لؤي! أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني مرة بن كعب! أنقذوا أنفسكم من النار.. يا بني هاشم! أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبد المطلب! أنقذوا أنفسكم من النار. يا فاطمة! أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها].
- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزل عليه {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} 
[يا معشر قريش! اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئاً. يا بني عبد المطلب! لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس ابن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله! لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت رسول الله! سليني بما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً].
- في تفسير السيوطي عن ابن عباس قال:
لما نزلت{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} ورهطك منهم المخلصين خرج النَّبيّ (ص) حتى صعد على الصفا فنادى: يا صباحاه، فقالوا: من هذا الذي يهتف؟ قالوا: محمد! فاجتمعوا إليه، فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو، فجاء أبو لهب وقريش، فقال: [أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد].، فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فنزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}.
- وفي مسند أحمد وصحيح مسلم وتفسير الطبري والسيوطي عن أبي عثمان النهدي، عن قبيصة بن مخارق وزهير بن عمرو قال:
لما نزلت على رسول الله (ص){وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} انطلق رسول الله (ص) إلى صخرة من جبل فعلا أعلاها، ثم نادى أو قال:[يا آل عبد مناف إني نذير، إن مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يربؤ أهله ينادي، أو قال: يهتف يا صباحاه].
- عن البراء قال: 
لما نزلت على النَّبيّ (ص) {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} صعد النَّبيّ (ص) ربوة من جبل فنادى: يا صباحاه، فاجتمعوا، فحذرهم وأنذرهم ثم قال:[لا أملك لكم من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لك من الله شيئاً].
ــــــــــــــــــــ
إذاً فلماذا يا أمّة الإسلام تذرون الآيات البيِّنات المُحكمات هُنّ من آيات أمّ الكتاب عن فتوى نفي الشفاعة للعبيد بين يدي الربّ المعبود نفياً مُطلقاً ومن ثم تتبعون الآيات المُتشابهات عن الشفاعة التي لا تحيطون بسرها علماً؟ فهل في قلوبكم زيغٌ عن الحقّ البيِّن في آيات أمّ الكتاب فتذروهن وراء ظهوركم وكأنكم لا تعلمون بهنّ وتتبعون الآيات المُتشابهات بذكر الشفاعة؟ ومن فعل ذلك ففي قلبه زيغٌ عن الحقّ وقال الله تعالى:
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُوا الأَلْبَابِ}
صدق الله العظيم [آل عمران:7]،
أفلا تعلمون أنّ من أعرض عن الفتوى في آيات الكتاب البينات لعالمكم وجاهلكم
 فهو من الفاسقين؟
 وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلاَّ الْفَاسِقُونَ}
  صدق الله العظيم [البقرة:99].
ولربما يود أحدُ علماء الأمّة أن يقاطع الإمام المهدي فيقول:
"أفلا تُفتِنا عن كيفية الشفاعة في الآيات المُتشابهات كونه يأتي فيهنّ ذكر غير مباشر للشفاعة وغير مفصّل، وإنما نفهم منه أنّ الله يأذن لعبد أن يخاطب ربّه ولكننا لا نعلم كيفية خطاب ذلك العبد إلى الربّ، وقال الله تعالى:
{وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى}
صدق الله العظيم [النجم:26]".
ومن ثمّ يردّ عليه الإمام المهدي ناصر محمد اليماني وأقول:
إنك تفهم من ذلك أنّ الذي أذن الله له أن يخاطب ربّه عن سرّ الشفاعة فإنك لا تجده قد تجرأ أن يشفع بين يدي ربّه لعباده بل كان يحاجُّ ربّه أن يرضى في نفسه، ولذلك قال الله تعالى: {إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} صدق الله العظيم،
ومن ثم تعلم أنّ ذلك العبد إنما كان يخاطب ربّه أن يُحقق لهُ النّعيم الأعظم من نعيم جنته فيرضى، وذلك لأنه يتخذ رضوان الله غاية وليس كوسيلة ليدخله جنته؛ بل يريد من ربّه أن يرضى في نفسه، ولن يكون الله قد رضي في نفسه حتى يدخل عباده في رحمته فيأذن لعبده ولهم معه أن يدخلوا جنته، وذلك لأن هذا العبد يعلم أنّ الله هو أرحم بعباده من عبده فكيف يشفع بين يدي الله أرحم الراحمين؟ 
ولا ينبغي له فلله الشفاعة جميعاً.وحين يسأل العبد ربّه أن يحقق لهُ النّعيم الأعظم من جنته ويُحرّم على نفسه نعيم الجنّة ما لم يحقق الله له النّعيم الأعظم منها، فإذا رضي الله في نفسه يسمع الناس نداء ربّهم موجه إلى عبده بالبشرى برضى عبده قبل ذكر رضوان نفسه تعالى، وذلك لأن الله يعلم أن عبده لن يرضى حتى يكون الله راضياً في نفسه، وإنما البيان الحقّ لقوله تعالى:{رَاضِيَةً} بمعنى أنّ الله قد رضي في نفسه على عباده وذلك لأن رضوان ذلك العبد مُتعلق برضوان ربّه في نفسه، وقال الله تعالى: 
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿27﴾ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴿28﴾فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴿29﴾ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴿30﴾}
صدق الله العظيم [الفجر].
وهُنا سماع أمر الله إلى عبده أن يدخل هو وعباده جنته! وهُنا المُفاجأة الكُبرى فلم يصدقوا ما سمعوا 
فهل الله يستهزئُ بهم أم أذن لهم بالحقّ أن يدخلوا جنته؟
 ومن ثم ردّ عليه زُمرة ذلك العبد الذين يعلمون عن حقيقة اسم الله الأعظم بما علَّمهم به ذلك العبد من قبل 
ولذلك ردوا على السائلين:{قَالُوا الحقّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:23]،
 فلم يستهزئ بكم سُبحانه ومن ذا الذي هو أرحمُ بكم من الله العليّ الكبير؟
وتبين للسائلين عن الشفاعة أن ليس لجميع العبيد بين يدي الربّ المعبود أن يشفعوا لعبيده بين يديه سُبحانه ولكنهم ليسوا بأرحم من الله أرحم الراحمين، وإنما ذلك العبد الذي أذِن الله له أن يُخاطب ربّهم كان يُحاجُّ ربّه أن يحقق له النّعيم الأعظم، وتم عرض نعيم الملكوت كُله عليه فيأبى إلا أن يحقق لهُ النّعيم الأعظم من ذلك كُله مما أدهش كافة خلق الله من الملائكة والجنّ والإنس مُسلمهم والكافر فيقولون في أنفسهم: "وأي نعيمٍ هو أكبر مما عرض الله على هذا العبد ليرضى فيأبى إلا أن يحقق الله له النّعيم الأعظم من الملكوت كُله!". فغمرت الدهشة ملائكة الرحمن المُقربين فقالوا في أنفسهم: "سبحان الله فلا نعلم بنعيمٍ في خلق الله هو أكبر مما تم عرضه على هذا العبد!". 
وظنّ جميع أولياء الله في أنفسهم ظنّ السوء في ذلك العبد فقالوا في أنفسهم فما بعد أن يعرض الله لهذا العبد كافة نعيم ملكوت ربّه في الكتاب فيأبى إلا أن يحقق الله لهُ النعيم الأكبر من ذلك كُله فهل بعد ذلك التكريم الذي رفضه ذلك العبد إلا أنه يريد أن يكون هو الإله! ولكن زُمرة ذلك العبد ضاحكةٌ مُستبشرةٌ بتحقيق النّعيم الأعظم لكونهم يعلمون الحقّ من ربّهم أنَّ النّعيم الأعظم من ذلك كُله هو رضوان الله في نفسه لأنهم يعلمون أن ذلك هو حقيقة اسم الله الاعظم الذي لم يحِط به إلا ذلك العبد في الكتاب وهو من علّمهم بحقيقة اسم الله الأعظم، وفي أثناء خطاب ذلك العبد لربِّه وما عرض الله عليه وهو يأبى فهم يضحكون ويستبشرون بتحقيق النّعيم الأعظم من نعيم ملكوت الله كُله، وأما سبب ضحكهم فهو من الدهشة الكُبرى التي ظهرت على وجوه الأنبياء والمُرسلين والصديقين والشهداء والصالحين وجميع ملائكة الرحمن المقربين كونهم يشاهدون عجَبَ العُجاب! فهم يعلمون أنّ الله كتب على نفسه أن يرضي عباده تصديقاً لقول الله تعالى: {رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [المائدة:119]،
 لكن ذلك العبد برغم أنّ الله قد رضي عنه ولكنه لم يرضَ لأنه لم يتخذ رضوان الله وسيلة لتحقيق النعيم الأصغر؛ بل يتخذ رضوان الله منتهى الغاية والمراد ولن يرضى حتى يحقق الله له النّعيم الأعظم ولذلك تم عرض عليه جميع نعيم الملكوت كُله فجعله الله خليفته على الملكوت كُله وعلى الجنة التي عرضها كعرض السماوات والأرض ولم يُبقِ الله من ملكوته شيئاً إلا وجعله الله خليفتهُ عليه فإذا العبد يزداد إصراراً على تحقيق النّعيم الأعظم من ذلك كُله، ومن ثم عرض الله عليه أمره أن يقول للشيءِ كُن فيكون فيخلق له من النعيم ما يشاء بكن فيكون بإذن الله قُدرةً مطلقةً فإذا العبد يأبى ويزداد إصراراً حتى يحقق الله له النّعيم الأعظم، مما عمَّت الدهشة جميع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وجميع ملائكة الرحمن المُقربين من عظيم إصرار هذا العبد فلم يفتنه عمَّا يريد جميع ملكوت ربّ العالمين، ومن ثم يؤيده الله بأمر الكاف والنون كن فيكون ليخلق له بإذن الله ما يشاء من النعيم بإذن الله فإذا هو يرد على ربّه بالبكاء والنحيب ويريد أن يحقق له النّعيم الأعظم من نعيم الملكوت كُله مهما كان ومهما يكون مما أدخل الملائكة في دهشة كُبرى ظهرت على وجوههم ويتمنون أن يعلموا هذا اللغز الذي أدهش خلق الله أجمعين الأولين والآخرين السابقين وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال إلا قليلاً من المُقربين الآخرين الضاحكة المُستبشرة بتحقيق النّعيم الأعظم من نعيم جنة ربّهم فهم على ذلك لمن الشاهدين وهم الذين ردّوا بالجواب على السائلين الذين ذهب الفزع عن قلوبهم حين سمعوا الأمر أتى من ربّهم مُباشرة إلى تلك النفس أن ترضى فتدخل في عباده فيدخلون جميعاً جنته، ومن ثم قال الذين ظنوا أنهم واقعون في نار جهنم قالوا لزمرة ذلك العبد:{قَالُوا مَاذَا قَالَ ربّكم قَالُوا الحقّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ:23].
وتحقّق النّعيم الأعظم، وذلك هو سرّ اسم الله الأعظم قد جعله الله صفةً لرضوان نفسه على عباده فيجدون أنه نعيمٌ أكبر من نعيم جنته، تصديقاً لقول الله تعالى:
{وعدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} صدق الله العظيم [التوبة:72].
وفي ذلك سرّ الحكمة من الخلق أن يعبدوا نعيم رضوان ربّهم عليهم ولم يخلقهم من أجل الحور العين وجنات النعيم ولم يخلقهم لكي يجعلهم من المُعذبين؛ بل خلق الله العبيد في كافة الملكوت ليعبدوا نعيم رضوان ربّهم على أنفسهم فيجدوا أنه هو النّعيم الأعظم من نعيم الملكوت كله ولذلك خلقهمتصديقاً لقول الله تعالى:{وما خَلَقْتُ الجنّ وَالْإِنْسَ إِلَّا ليعبدون} 
صدق الله العظيم [الذاريات:56].
وسلامٌ على المُرسلين، والحمدُ لله رب العالمين..أخوكم عبد النّعيم الأعظم الإمام المهدي؛ ناصر محمد اليماني.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.